الكنائس والأديرة الأثرية بين ساحل البترون وجرد تنورين
الكنائس والأديرة الأثرية بين ساحل البترون وجرد تنورين
تُعَدّ منطقة البترون وجوارها من أغنى مناطق لبنان بالكنائس والأديرة الأثرية التي تمتدّ جذورها من الحقبة البيزنطية مروراً بالعصور الصليبية وصولاً إلى عصر النهضة المارونية. ففي كل بلدة ووادٍ من هذه الرقعة الساحلية – الجبلية، تنبض الذاكرة المسيحية بحجارة مقدّسة لا تزال شاهدة على تواصل الإيمان والعمران عبر القرون.
تضم مدينة البترون القديمة عدداً من الكنائس التي تُعدّ من أبرز معالمها التاريخية.
في منطقة كبا الساحلية المجاورة لمدينة البترون، كنيسة بيزنطية قديمة وكنيسة أخرى تعود إلى الزمن الصلبي هي كنيسة saint Sauveur. كذلك في منطقة سلعاتا البترونية، هناك كنيسة تعود إلى الحقبة الصليبية.
في مدينة البترون، مار جرجس وكنيسة مار اسطفان اللتان شُيدتا قبل نحو قرنٍ ونصف، لكنّهما تُصنّفان أثريتين نظراً إلى طرازهما المعماري التقليدي وموقعهما في قلب المدينة التاريخية التي تعود جذورها إلى العصر البيزنطي والصليبي.
وفي محيط البترون القريب، توجد كنائس بيزنطية قديمة ما تزال بقاياها ظاهرة قرب السور الفينيقي، ما يدلّ على استمرارية الحياة الدينية في هذا الميناء منذ فجر المسيحية.
على الطريق صعوداً، تظهر مجموعة من الكنائس القديمة، منها كنيسة السيدة وكنيسة مار نهرا القريبتان من قلعة سمار جبيل، حيث تولي المديرية العامة للآثار اهتماماً خاصّاً بهما بسبب قيمتهما المعمارية والفنية.
وفي منطقة إده البترونية، تنتشر كنائس مزدانة بالجداريات، بعضها لا يزال محتفظاً بزخارفه الأصلية التي تعكس أساليب الرسم البيزنطي – الصليبي في لبنان.
في الجهة المقابلة، ينتصب دير مار يوحنا مارون في كفرحي، الذي يُعتبر أحد أبرز معالم التراث الماروني، إذ يضم ما تبقّى من رفات القديس مارون، وقد شكّل عبر التاريخ نواة الكنيسة المارونية كمؤسسة كنسية وطنية.
هذا الدير هو منطلق التنظيم الماروني في جبل لبنان، وتاريخه متداخل مع نشأة البطريركية الأولى في المنطقة.
إلى الشرق من البترون، تحتضن بلدة حردين سلسلة واسعة من الكنائس والأديرة الأثرية، من أبرزها محبسة مار اسطفان والدير المجاور لها.
كانت حردين في الماضي مركزاً أسقفياً للسريان الأرثوذكس، وتشهد على ذلك المذابح المزدوجة في بعض كنائسها التي تُبرز تعايش الطقسين السرياني والماروني.
ويُحصى في حردين اليوم ما يقارب ستةً وثلاثين موقعاً كنسياً قديماً، ما يجعلها واحدة من أغنى القرى اللبنانية بالمواقع الدينية الأثرية.
في أعالي الجرد، تُعدّ تنورين من أهم المناطق الغنية بالتراث الكنسي في لبنان، حيث تُحصى فيها سبعٌ وخمسون كنيسة وديراً أثرياً.
بدأ الاهتمام بها مؤخراً، خصوصاً في وادي عين الراحة الذي يضم أديرة كبرى مثل دير مار مخايل، ودير مار جرجس، ودير مار بطرس إلى جانب مجموعة من المحابس المنحوتة في الصخر.
وفي تنورين التحتا يقع دير مار أنطونيوس حوب، وهو أول دير للرهبنة اللبنانية في منطقة البترون – جبيل. يبلغ عمره نحو ثلاثمائة سنة، غير أن أقدم ذكرٍ مكتوب عنه يعود إلى خمسمائة سنة تقريباً. بجواره تقع محبسة مار جرجس التي تضم مدفن الحبيس أنطونيوس الصغبيني، أحد أبرز النساك في تاريخ الرهبنة اللبنانية.
أما دير مار شليطا في تنورين الفوقا، فلا يزال يكتنفه الغموض الأثري، إذ لم تُكتشف كل طبقاته بعد. وتشير المعطيات إلى أنه أقدم من الفترة الصليبية، إذ يحتوي على رموز وزخارف معمارية مميزة، وقد رُمّم حديثاً ليعود إلى الواجهة كمَعلم أثري بارز.
تتميّز تنورين أيضاً بوجود محبسة مار يعقوب، وهي أكبر محبسة في لبنان من حيث المساحة، تقع ضمن مغارة ضخمة تضم شيراً صخرياً يُستعمل حالياً لممارسة تسلق الصخور.
كما يُعدّ دير مار أنطونيوس وكنيسة السيدة في تنورين التحتا نموذجاً فريداً بفضل مذابحه المزدوجة وعمره الذي يُقدّر بنحو ثمانمائة سنة، وهو شاهد على الاستمرارية الطقسية والمعمارية في المنطقة.
من ساحل البترون إلى أعالي حردين وتنورين، يتكشّف تاريخ لبنان الروحي في شبكة من الكنائس والأديرة والمحابس التي تشهد على تلاقي الحضارات: البيزنطية، الصليبية، السريانية، والمارونية.
هذه المعالم ليست مجرد حجارة قديمة، بل سجلّ حيّ لذاكرة الإيمان والهوية اللبنانية، ومختبر مستمرّ لتاريخ العمارة والفن الديني في المشرق.
د. ريما داغر

منذ انفصالها عن تنورين وبلدية شاتين تعبر من أزمة إلى أخرى. فقد كان إنشاؤها سببا للاختلاف بين أبناء البلدة الواحدة ناهيك عن الانفصال غير الطبيعي عن المحيط أي تنورين الكبرى بالرغم من أن الانفصال غير حقيقي وإنما مصطنع. إن شاتين جزء لا يتجزأ من تنورين بجغرافيتها وشعبها ووحدة تاريخها وأصل الأرومات العائلية. كان للسياسة الدور الحاسم في إنشاء بلدية شاتين على اعتبار أن شاتين ستصبح مستقلة عن القرار السياسي الغالب في تنورين؛ وكان أبطال تلك اللعبة العونيون (آنذاك)؛ وبالفعل فقد دشن النائب جبران باسيل التهاني بفوز أول مجلس بلدي في شاتين. وفي الانتخابات الأخيرة لعب نفس الأفرقاء تقريبا الدور الاستقلالي عن تنورين؛ فقد تعاون العوني والقواتي من أجل نجاح المجلس البلدي الحالي الذي غلبت عليه الصيغة القوانية ولقي احتفاء من قيادة القوات في حفل التهاني. وبعيدا عن الحراك الحزبي والمسيس؛ لم تتقدم شاتين كما كان متوقعا لها منذ انفصالها ولكنها بقيت في حرمان إنمائي رغم بعض الإنجازات التي سجلها المجلس البلدي برئاسة سركيس روكز. اليوم - ولمجمل الأسباب والموجبات - يطرح الرأي العام عودة شاتين إلى حضن الأم تنورين. خلفية تاريخية 1. التقسيم الأصلي والبلدية الموحدة منذ عام 1928: كانت شاتين جزءًا من بلدية تنورين (تنورين الفوقا وتنّورين التحتا ووُطى حوب وشاتين). 2. المطالبة بانفصال شاتين في عام 2011، تقدّم بعض أهالي شاتين بطلب إنشاء بلدية مستقلة. وفي عام 2012، أصدر وزير الداخلية آنذاك مروان شربل قرارًا بإنشاء بلدية شاتين (قرار 282/2012). كان من دوافع البعض من أهالي شاتين المطالبة بالاستقلال الإداري نظراً لما يصفونه بـ "الحرمان الإنمائي" من الخدمات البلدية. 3. الطعن القانوني بلدية تنورين وأفراد من شاتين طعنوا بقرار الوزير أمام مجلس شورى الدولة. في 12 كانون الأول 2017، أصدر مجلس شورى الدولة القرار رقم 241/2017-2018 بإلغاء القرار الذي أنشأ بلدية شاتين. الأسباب القانونية تضمنت أن إنشاء بلدية شاتين لم يَخض ببعض الإجراءات مثل “الموافقة على تغيير الحدود” من قبل المجلس البلدي. 4. قرار إعادة الدمج بعد الطعن: تم تعديل المرسوم البلدي لتعود شاتين لتكون جزءًا من بلدية تنورين. في أيلول 2019، أصدرت وزارة الداخلية والبلديات القرار رقم 1722 (إبطل إنشاء بلدية شاتين في الصيغة السابقة) والقرار رقم 1723 لإعادة إنشاء شكل بلدي في إطار الترتيب الجديد. ومن ثم تم تحديد عدد أعضاء المجلس البلدي لشاتين بـ 12 عضواً. الأسباب وراء إعادة الدمج يبدو أن هناك عدة دوافع وراء قرار إعادة شاتين إلى بلدية تنورين، بعضها قانوني وبعضها سياسي وتحالفات؛ كما يلي: 1. صراع سياسي – محلي أحد الأطراف يرى أن للقرار خلفية سياسية قوية، وبخاصة النزاع بين النائب السابق بطرس حرب من جهة وبعض الشخصيات المقربة من “التيار الوطني الحر / باسيل”. في تلك المرحلة، كان للنزاع على السد (سد بلعا) دور سياسي-إنمائي مهم، فالبعض ربط بين إنشاء بلدية شاتين وسد بلعا، كجزء من استراتيجيات نفوذ. كما أن هناك “تصفية حسابات” بين بعض الشخصيات. 2. الحرمان الإنمائي بعض أهالي شاتين أرادوا بلدية مستقلة لتحسين الخدمات (طرقات، إنارة، جمع نفايات) لأنهم شعروا بأنهم مهمّشون من بلدية تنورين. من جهة أخرى، رفض بعض من أهالي تنورين تقسيم البلدية لأنهم رأوا أن تقسيم البلديات الصغيرة قد لا يسهم في تنمية حقيقية، وأن توحيدها أقوى من الناحية المالية والإدارية. 3. الشرعية القانونية والإجرائية الطعن القانوني أكّد أن بعض إجراءات إنشاء بلدية شاتين لم تُنفذ كما يجب (مثلاً عدم موافقة مجلس بلدية تنورين على بعض التعديلات في الحدود). وعندما أبطل مجلس شورى الدولة القرار، تمت إعادة ضبط مرسوم بلدية تنورين ليشمل شاتين، ما يعني أنه كانت هناك رغبة رسمية من الدولة لعودة الوحدة الإدارية في هذا النطاق. 4. الدوافع العائلية والطبيعة الحال؛ هناك تداخل بين السياسة والعائلات المحلية: من شاتين تبرز عائلات مثل مراد وشاعر، غوش، يونس، وغيرها، وهذا يضفي بعدا “عُرفي / عائلي” على المعركة البلدية والاختيارية في كل استحقاق. يذكر أيضا أنه كانت هناك سقطات قانونية: فالبعض رأى أن إنشاء بلدية شاتين في البداية لم يكن وفق جميع الشروط القانونية (مثل مشاركة بلدية تنورين، تغيير الحدود). مخاطر مالية: تقسيم البلديات قد يؤدي إلى ضعف الموارد البلدية، لأن البلديات الصغيرة قد تعاني من ضعف الإيرادات مقارنة بالتكاليف الإدارية. استغلال سياسي: وفق البعض، كانت خطوة إنشاء بلدية شاتين مدفوعة من قبل قوى سياسية (مثل التيار الوطني الحر) لتعزيز نفوذها في الجرد، وليس فقط لأسباب إنمائية. تكرار الصراع: حتى بعد الإلغاء وإعادة الدمج، لا يبدو أن الجذور الاجتماعية والسياسية للنزاع اختفت، فالمعركة على النفوذ داخل شاتين كانت ما تزال قائمة في الانتخابات واللوائح البلدية. إن إعادة شاتين إلى بلدية تنورين لم تكن مجرد مسألة إدارية بسيطة، بل جاءت بعد صراع قانوني وسياسي طويل. وبالمجمل كان هناك تداخل واضح بين أسباب إنمائية (خدمات وتنمية) وأسباب سياسية – عائلية (صراعات النفوذ والتحالفات). والقرار لم يكن محايدًا بالكامل: فبعض الأطراف اعتبرته “تصفية حسابات”، في حين رأى فيه آخرون استعادة لوحدة تاريخية وإدارية. هذا المطلب للوحدة يرجع للواجهة اليوم بعد أن أعيد تشريع إنشاء بلدية مستقلة في شاتين وانتخب مجلس بلدي جديد من 9 أعضاء في أيار 2025؛ وقد إنقطع الأمل بأي تغيير قد يقوم به مجلس بلدي في شاتين. ربيع داغر

إن منطقة البترون هي من أغنى المناطق من حيث المواقع الدينية المسيحية، إذ تضمّ عدداً كبيراً من الأديرة والكنائس التي تحمل إرثاً تاريخياً وروحياً عميقاً. ومع إعلان الفاتيكان عن زيارة للبابا لاون الرابع عشر إلى لبنان في أوائل كانون الأول 2025، تبرز في البترون مجموعة من الأماكن التي كان من الممكن أن تشكّل محطات رئيسية في جولته نظراً لما تمثّله من رموز إيمانية وتاريخية. هذه المواقع هي: - دير القديسين كبريان ويوستينا – كفّيفان: يُعتبر دير كفّيفان من أبرز المعالم الدينية في لبنان. يقع هذا الدير في قلب قضاء البترون، ويضمّ رفات القديس نعمة الله الحرديني، أحد أهمّ قديسي الكنيسة المارونية، كما كان فيه الراهب القديس شربل مخلوف قبل انتقاله إلى عنّايا. ويضم الدير أيضا رفات الطوبلوي إسطفان نعمة. يشكّل الدير مقصداً دائماً للحجاج والمؤمنين الذين يقصدونه للصلاة والتبرّك، ويُعرف بجمال موقعه وهدوئه الروحي. زيارة البابا إلى كفّيفان ستكون ذات رمزية كبيرة، فهي محطة تجمع بين الإيمان الماروني العريق والتاريخ الرهباني الذي ساهم في نشر الروحانية اللبنانية في العالم الكاثوليكي. - دير مار سمعان العمودي – بلدة حردين: تُعرف حردين باسم "قرية الإيمان" لما تحتويه من عدد كبير من الأديرة والكنائس القديمة. من أبرز معالمها دير مار سمعان العمودي، وهو أحد أقدم الأديرة في لبنان ويُعدّ شاهداً على الحقبة البيزنطية المسيحية. تمتاز حردين بطابعها الجبلي الهادئ وبعراقتها الدينية، وتُعتبر مثالاً على القرى اللبنانية التي حافظت على تراثها الروحي رغم مرور الزمن. قد تشكّل زيارة البابا لحردين رسالة دعم للمجتمعات المسيحية الريفية التي لا تزال متمسّكة بجذورها وإيمانها وسط التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية. - دير مار يوسف ورفقا – جربتا: في بلدة جربتا البترونية يقع دير مار يوسف ورفقا، وهو من أهم المزارات المريمية والرهبانية في لبنان. يحتضن ضريح القديسة رفقا، إحدى أشهر القديسات اللبنانيات التي كرّست حياتها للألم والصلاة! إذ تُعدّ القديسة رفقا رمزاً للصبر والإيمان العميق، ويقصد ديرها المؤمنون من لبنان والخارج للتبرّك وطلب الشفاعة. زيارة البابا إلى جربتا ستكون ذات طابع مؤثر، إذ تعبّر عن تقدير الكنيسة الكاثوليكية العالمية للقداسة اللبنانية ولرمزيات التضحية والصبر التي تجسّدها القديسة رفقا في حياة المؤمنين. - دير سيدة النورية – حمّات: يقع دير سيدة النورية على تلة مشرفة على البحر في منطقة حامّات بين البترون والشكا. وهو من أشهر المزارات المريمية في لبنان، إذ يقصده الزوّار من مختلف الطوائف للتبرّك بالعذراء مريم. يمتاز بموقعه الخلّاب المطلّ على الساحل اللبناني، ويُروى أن النور الإلهي الذي كان يظهر منه في الماضي كان يهدي البحارة التائهين في البحر، ومن هنا جاء اسم "النورية". زيارة بابوية إلى هذا الموقع ستكون رمزية للغاية، إذ قد تجمع بين تكريم مريم العذراء وبين رسالة السلام والوحدة التي يحملها البابا إلى لبنان وطوائفه المتعددة.

بقلم ربيع داغر المراقب للسياسة العامّة في البلاد وللمزاجات الشعبيّة المختلفة في لبنان والتي تنقسم عادةً إلى مزاجٍ مارونيٍّ أو شيعيٍّ أو سنيٍّ أو درزي؛ مع ما يتعايش مع هذه النزعة الطائفيّة من توجّهاتٍ حزبيّة، يجد أنّ التيّار الوطنيّ الحرّ (والذي يمثّل شريحةً واسعةً من المسيحيّين اللبنانيّين) قد استعاد بعضاً من زخمه الذي كان قد فقده إبّان انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون. وقد ظهر (هذا التراجع) في المناسبات العامّة وبخاصّةٍ الانتخابيّة البلديّة والاختياريّة والطلابيّة والنقابيّة، وفي الانسحابات العديدة لنوّابٍ بارزين من تكتّل التيّار. وبغضّ النظر عن أسباب التراجع المتلاحق في تأييد التيّار، فإنّ هذا واقع لا جدال فيه. أمّا الأشهر القليلة الماضية أي بعد انطلاق العهد الجديد والحكومة الجديدة، فإنّنا نلحظ رجوعاً لقواعد تركت التيّار، كما أنّ أصواتاً بدأت تعلو من هنا وهناك تفيد بأنّ المسؤوليّة التي حُمّلَها التيّار لم تكن منصفةً بعد أن تبيّن أنّ أفرقاء آخرين يتحمّلون مسؤوليّة تدهور المؤسّسات ولا زالوا في السلطة، كما أنّ أكثر الأفرقاء انتقاداً للتيّار على أساس أنّه لم يقم بإنجازاتٍ حياتيّةٍ كالكهرباء، هذا الفريق نفسه لم يحقّق شيئاً رغم تولّيه اليوم وزاراتٍ خدماتيّة. وهذا الواقع الجديد يبرز في منطقة البترون أكثر من غيرها، لعوامل عديدةٍ كالتالي: - متابعة نهضة مدينة البترون الاقتصاديّة. - معالم الإنماء المختلفة في القضاء ككلّ، والتي كان وراءها التيّار ممثّلاً باتّحاد بلديّات البترون السابق وبالنائب جبران باسيل. - استمرار نهج القوّات في قضاء البترون منذ نائبها الأوّل وحتّى الثالث، وهو نهج عدم التعاطي في الإنماء واقتصار النشاط النيابي على المؤتمرات الصحافيّة والتعاطي بالقضايا السياسيّة العامّة. - بقاء النهج الآخر المخاصم للتيّار والمتمثّل بالنائب السابق بطرس حرب (ونجله المرشّح مجد حرب) مقتصراً على الخطاب الكلامي غير العملاني نفسه؛ وهو ما ابتعد عنه الكثير من أبناء تنورين والبترون. - اختفاء خطاب "الثورة" وممثّليها بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة، ما جعل الرأي العامّ البتروني يفقد الثقة بهم. لكلّ هذه العوامل وغيرها، يستعيد التيّار حيويّته ويفتتح آفاقاً جديدةً في البلدات وبين الناس؛ تمهيداً لخوض معركةٍ انتخابيّةٍ نيابيّةٍ يرجو أن تكون ناجحةً في عام 2026. لكنّ نقاط الضعف لا تزال كثيرة، مشكّلةً عوائق أمام فوز مرشّح التيّار، ومنها: - عدم وضوحٍ في مواقف القوى التي من المفترض أن تكون حليفاً طبيعيّاً للتيّار مثل تيّار المرده والأحزاب اليساريّة. - الخيار غير الحاسم للطائفة السنيّة في قضاء البترون، والتي تعدّ ناخباً كبيراً ومؤثّراً على نتيجة الانتخابات النيابيّة. - تعدّد خصوم التيّار، والتقارب النسبي فيما بينهم، وهم: القوّات ومجد حرب والكتائب. - حرمان التيّار من عهدٍ يقف إلى جانبهم، على عكس ما كان سائداً في العهد السابق. لكنّ المزاج الشعبي في البترون - مدينةً وقضاءً - يمكن أن يحسم الخيار مع التيّار الوطنيّ الحرّ، علماً بأنّ الانتخابات يحسمها الصوت الصامت غير المتحزّب والذي لديه غريزة مناطقيّة تنبع من ذاكرةٍ جيّدةٍ وتتّجه نحو من يخدم المنطقة ويهتمّ بالإنماء أكثر من الشعارات.

هذا الرجل الذي حباه الله من الهمّة ما يعادل امة ،كم سنفتقد وجوده بيننا في مجالس الفكر والأدب والامسيات! ولكم نظّم من مجالس وادار من لقاءات وواكب كلَّ جديد يصدر وكل ناشيء يبحث عن مشجّع أو عن منبر. حنينا ابي نادر وجه مضيء من وجوه قضاء البترون وقلب ناصع وابتسامة لا تفارق الوجه ولاتمحى من وجوه عارفيه درجنا في "الدوق" بلدتنا المجاورة لبلدته "عبدللي" على التلاقي والسمر في المسايا ولطالما كنا نلتقيه عند اقارب او يزور بيتنا ويسال والدي أن يسمعَه قصائده الجديدة. وكذلك نشات صداقة بيننا وكنا نستانس بحضوره المحبّب ووجهه الرضي. "حنينا ابي نادر" تلك القامة السمهرية وذاك القلب الشفاف، عرفناه يتعاطف مع كل الناس ويحنو على المتعبين ويشارك في الافراح والأتراح ولطالما أرّقته هموم لبنان وازماته! ثم كانت مرحلة بيروت وكان قد اسس "مجلس الفكر" فبتنا نتردّد على ذاك المجلس ونشارك في الندوات ونتواصل مع مرتاديه فتعززت اواصر كثيرة بين المثقفين بفضله وحصل تفاعل ثقافي واجتماعي وبدات مفاعيله تتوسع ورقعة اهتماماته بلغت المناطق والبلدات وحيث يستوجب توقيع كتاب او اطلاق ديوان شعر او ما سوى ذلك. حنينا ابي نادر شكّل بنشاطه حالة متفرّدة عجزت عن مثلها مؤسسة رسمية وبات ل"مجلس الفكر" دور رائد وللدكتورة كلوديا شمعون ابي نادر مكانة مرموقة وعرفتها جلّ المنابر فكانت تلك النجمة المشعة في عوالم الفكر والنقد والكتابة. نسال الله ان يجزل عليه الرحمة والسعادة الابدية في الاخدار السماوية. نعزي انفسنا ولا يسعنا ان نلغي الحزن ما بين الضلوع. ولا بد من ذكر ما قاله "جبران " عن العطاء: "اعطى كما تعطي الريحانة في الوادي عطرها للنسيم " الرحمة لروحك والعزاء للاهل والاصدقاء جميعا. "مي اسد سمعان"

أعطى زياد الرحباني عددًا من الألحان الرائعة للفنانة الكبيرة فيروز، منها:'"سألوني الناس"، و"عا هدير البوسطة"، و"كيفك أنت"، و"عندي ثقة فيك"، و"عودك رنان"، و"قديش كان في ناس"، و"ايه في أمل"، و"الله كبير"، و"صباح ومسا"، و"سلملي عليه"، و"حبيتك تنسى النوم"، و"قصة صغيرة"، و"بتذكرك بالخريف"، و"كان غير شكل الزيتون"، و"كبيرة المزحة هاي"، و"تنذكر ما تنعاد"، و"تلفن عياش"، و"رح نبقى سوا"، و"داق خلقي يا صبي"، و"حبوا بعضن تركوا بعضن"، و"شو بخاف دق عليك"، و"وحدن بيبقوا"، و"ولا كيف"، و"زعلي طول أنا وياك"، و"عا موقف دارينا"، و"رفيقي صبحي الجيز". مروان داغر

يستذكر اللبنانيون يوميًا مصابهم الأليم، مع بروز أنياب الأزمة الاقتصادية التي أنهكتهم وأثقلت كاهلهم. يتنهدون بحسرة، داعين من الله الفرج القريب، وكأنهم قد ألفوا هذا الوضع المزري وفقدوا الأمل في استعادة حقوقهم وأموالهم. نحن الآن في عام 2025، ست سنوات مرّت منذ بداية الانهيار، من دون حسيب أو رقيب، ست سنوات قاسية على الجميع، وقاتلة على وجه الخصوص للشباب، أولئك المنتمين إلى جيل التسعينات. هذه الفترة من عمرهم، التي كان من المفترض أن تكون الأهم في حياتهم لتأسيس مستقبل أفضل، لامتلاك منزل أو عقار، للزواج وتكوين عائلة؛ سُرقت منهم أمام أعينهم. ففقد الكثير منهم الأمل حتى أبسط متطلبات الحياة الكريمة. انطبق عليهم المثل: "العين بصيرة واليد قصيرة". فكيف لهم، في ظل هذا الواقع المرير، أن يستمروا؟ وما تداعيات كل ذلك على مجتمع بأكمله؟ اللافت — والمؤلم — أن الكثيرين ممّن أعرفهم، لم يعودوا يرغبون في تكوين عائلة؛ لا لأنهم لا يريدون الحب أو الاستقرار، بل لأنهم عاجزون عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة… متطلبات مجتمع يضع أثقالاً فوق أثقال. ومتطلبات الفتيات — بعضهن لا يُلام — يُردن الأمان والاستقرار، فيبالغن في الطلب، فيطلبن ويطلبن ويطلبن، حتى تصبح أحلام الزواج عبئاً مستحيلاً. فمن الشباب من بقي بلا زواج، ومنهم من لجأ إلى حلول جزئية كالسفر، أو السكن بالإيجار، أو بحسب قولهم: "منعيش كل يوم بيومو". أليس في ذلك ظلم صارخ؟ أليس هذا دماراً ممنهجاً لجيل كامل؟ أي عائلات سنبني في المستقبل؟ أي أسر ستقوم في ظل هذا التفكك الاجتماعي والنفسي والاقتصادي؟ أين الدولة من كل هذا؟ أين بنك الإسكان؟ أين السياسات التي تحفظ حق هذا الجيل في العيش الكريم؟ أين الأمل؟ إننا لا نطلب المستحيل. نحن فقط نطلب أن نُمنَح الفرصة… فرصة لنعيش بكرامة، لنؤسس، لنبني، لنحب، لننمي. فرصة لنبقى في هذا الوطن الذي نحبه، رغم كل ما فعله بنا. المهندس أنطوني رزق

في قلب قضاء البترون في شمال لبنان، تتربّع بلدة بجدرفل على تلة خضراء على ارتفاع 418 مترًا عن سطح البحر، ويعود تاريخها وفق الشعار الرسمي إلى ما قبل الميلاد بـ2000 سنة، ما يجعلها من أقدم البلدات المأهولة في المنطقة. تعرف البلدة اليوم بأنها "بلدة الحب والسلام"، كما تشير اليافطة عند مدخلها، وتحمل رمز سفينة فينيقية، تأكيدًا على إرثها الحضاري العريق. موقعها الجغرافي والإداري: المحافظة: الشمال القضاء: البترون تبعد عن بيروت: 60 كلم تبعد عن طرابلس (مركز المحافظة): 34 كلم تبعد عن البترون (مركز القضاء): 7 كلم الارتفاع عن سطح البحر: 418 م الإحداثيات الجغرافية: 34.244162° شمالًا، 35.714572° شرقًا سكان البلدة: بحسب لوائح الناخبين الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية لعام 2014، يبلغ عدد الناخبين في بجدرفل 852 ناخباً، موزعين بالتساوي: إناث: 426 ذكور: 426 السكان يتحدرون من عائلات لبنانية متجذرة، معظمهم من الطائفة المارونية، وتتميّز البلدة بترابط اجتماعي قوي وتقاليد أصيلة. بجدرفل عبر التاريخ: تحمل بلدة بجدرفل في طياتها إرثًا عتيقًا، إذ تشير اليافطة الرسمية على مدخل البلدة إلى أنها مأهولة منذ 2000 سنة قبل الميلاد، أي في العصر البرونزي، ما يدل على أن موقعها الجغرافي كان مهمًا منذ القدم، إما كموقع زراعي أو كنقطة وصل ضمن شبكة التجارة الفينيقية. الرمز الأبرز في شعارها هو السفينة الفينيقية، رمز لحضارة تجارية بحرية امتدت على طول سواحل لبنان، مما يرجح ارتباط بجدرفل بالحضارة الفينيقية. الهوية البصرية والشعار السفينة الفينيقية: تدل على العراقة والانفتاح على العالم سعف الزيتون: رموز للسلام والحياة عبارة الترحيب: "Bienvenue au village de l’amour et de la paix" – قرية الحب والسلام المعالم والأنشطة كنيسة مار بندي ليمون وكنيسة مار نهرا: مراكز دينية واجتماعية تجمع أهل البلدة. أراضٍ زراعية عمرها مئات السنين: خصوصاً في زراعة الزيتون، التي تشكّل جزءًا من الهوية الاقتصادية للبلدة. بجدرفل ليست مجرد نقطة على خارطة الشمال، بل هي صفحة حية من تاريخ لبنان، وواحة هادئة تحتضن الماضي وتستقبل المستقبل. سواء أتيت لتكتشف آثارها، أو لتتذوق زيت زيتونها البلدي، أو لتعيش دفء علاقاتها الاجتماعية، فإنك ستخرج منها بذكرى لا تُنسى. شربل اسكندر

الحرب الإسرائيلية- الإيرانية: مواجهة مفتوحة إلى أبعد الحدود تشهد المنطقة واحدة من أخطر مراحل التصعيد العسكري منذ عقود، بعد أن انتقلت المواجهة بين إسرائيل وإيران من التوتّرات غير المباشرة إلى حرب مفتوحة تُرسم خطوطها بالنار، وتُحدّد معالمها وفق توازنات قوى إقليميّة ودوليّة معقدة. لطالما نظرت إسرائيل إلى إيران كتهديدٍ استراتيجيٍ وجودي، ليس فقط بسبب مشروعها النووي، بل أيضاً بسبب تمدّد نفوذها الإقليمي عبر حلفاء مثل "حزب الله" في لبنان و"الحشد الشعبي" في العراق و"أنصار الله" في اليمن. وترى تل أبيب أن امتلاك إيران للسلاح النووي يعني نهاية ما تسمّيه "ميزان الردع"، لذلك قرّرت في هذه المرحلة الانتقال من سياسة "الاحتواء والردع" إلى سياسة "الاستباق والحسم". ولم يكن القصف الإسرائيلي الأخير داخل العمق الإيراني مجرّد رد، بل إعلاناً واضحاً بأن طهران لم تعد محميّة خلف خطوط الجغرافيا، وأن إسرائيل مستعدّة للمخاطرة إذا تعلّق الأمر بإزالة التهديد النووي من جذوره. على الضفة الأخرى، تعاملت إيران مع الهجمات الإسرائيلية بوصفها تأكيداً على ما كانت تحذّر منه دائماً: أن إسرائيل دولة معتدية، مدعومة من الغرب، لا تريد استقرار المنطقة. وجاء الرد الإيراني غير مسبوق، سواء من حيث الحجم أو الجرأة، إذ أطلقت طهران وابلاً من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتّجاه الأراضي الإسرائيلية، في تطوّر اعتبره البعض "نقطة تحوّل تاريخية" في قواعد الاشتباك، خاصة وأنه ولأوّل مرة منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948، تتعرّض المدن الإسرائيلية لهجوم عسكري مباشر من دولة إقليميّة مثل إيران. فالهجمات السابقة، سواء من "حزب الله" أو "حماس"، ظلّت محصورة ضمن نطاق الحروب غير المتكافئة. أما الآن، فقد تمكّنت إيران من تجاوز كل الخطوط الحمراء، ووصلت صواريخها وطائراتها المسيّرة إلى العمق الإسرائيلي. بالرغم من كل هذا التصعيد، يبدو أن إسرائيل لم تلجأ بعد إلى استخدام كامل قوتّها العسكرية، بل تعتمد استراتيجية تصعيد تدريجي. وهي ربما تختبر حدود الصبر الإيراني، وتُراهن على تفكّك التحالفات الإقليميّة الداعمة لطهران. كما أن تل أبيب تنتظر موقفاً حاسماً من الإدارة الأميركيّة، التي بالرغم من دعمها العلني لإسرائيل، لا تزال متردّدة في الانخراط المباشر في الحرب خشية انفجار إقليمي واسع، وهي تُراهن على أن التصعيد المستمر سيُجبر واشنطن على الانخراط إما سياسياً أو عسكرياً، في حال خرجت المواجهة عن السيطرة. في المقابل، تراهن إيران على شبكة تحالفاتها الإقليميّة والدوليّة. كما تعتمد على بُعد إيديولوجي عميق في خطابها العسكري، فتُقدّم الصراع بوصفه مواجهة بين الحق والباطل، وتُعبّئ جمهورها داخلياً وخارجياً حول شعار "النصر الإلهي"، الذي لطالما شكّل محوراً رئيسياً في عقيدتها العسكرية والإعلامية. من ناحية أخرى، لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً حتى الآن بالرغم من أنها قادرة على تطويره. بالمقابل تمتلك اسرائيل السلاح النووي بالرغم من عدم اعترافها الرسمي بالأمر. وعليه، تكون السيناريوهات المحتملة للحرب القائمة كالتالي: - السيناريو الأول: تصعيد شامل وحرب إقليميّة مفتوحة، بحيث تفقد الأطراف قدرتها على ضبط النفس، وتتحوّل الضربات المتبادلة إلى حرب شاملة تستخدم فيها الأسلحة المدمّرة وتمتدّ من الخليج إلى شرق المتوسط. تستخدم إسرائيل كامل ترسانتها العسكرية، بما في ذلك القصف العنيف لمواقع نووية وعسكرية داخل إيران. وتردّ إيران بصواريخ بعيدة المدى، وتفتح جبهات متعدّدة عبر انصارها في الدول المجاورة. وإزاء هذه الظروف، تدخل الولايات المتحدة مباشرة للدفاع عن مصالحها وحلفائها. - السيناريو الثاني: احتواء الحرب في نطاق محدود، فبالرغم من ارتفاع حدّة العمليات، تبقى ضمن "حدود الاشتباك المحسوبة"، أي ضربات دقيقة ومحدودة، مع تجنّب توجيه ضربات كارثية قد تؤدي إلى حرب شاملة. فتستمرّ إسرائيل في قصف منشآت نووية ومراكز قيادة داخل إيران. وتردّ إيران بواسطة صواريخ ومسيّرات من أراضيها، لكن مع توازن بين الردع والتصعيد. اما الولايات المتحدة الاميركية، فتضغط ديبلوماسياً لضبط النفس وتمنع انفلات الأمور. -السيناريو الثالث: إبرام صفقة دولية ووقف إطلاق نار مشروط، بقيادة قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، لإبرام صفقة شاملة تُجمّد الحرب. وعليه، توافق إيران على تهدئة مقابل ضمانات دولية بعدم ضرب منشآتها النووية مجدداً، وتوقف إسرائيل هجماتها العسكرية بشرط تجميد تخصيب اليورانيوم، وقد يُبرم اتفاق جديد بديل عن اتفاق 2015 يتعلّق بالملفّ النووي الإيراني وملفّ الصواريخ الباليستيّة الإيرانيّة ومسألة الأذرع الإيرانيّة في المنطقة. ختاماً، إن الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الراهنة ليست مجرّد مواجهة عسكرية، بل هي لحظة فاصلة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وإن إخطر ما فيها أنها حرب لا يملك أحد السيطرة على مآلاتها. د. ريما داغر

بدعوةٍ من الدكتور سايد درغام واللقاء الوطني: ندوة تكريميّة في ذكرى رحيل العميد ريمون إدّه دعا اللقاء الوطني (حركة فكريّة إنسانيّة) إلى ندوةٍ تكريميّةٍ إحياءً للذكرى السنويّة الخامسة والعشرين على رحيل العميد ريمون إدّه. عُقدت الندوة في قاعة البطريرك الياس الحويّك في ثانويّة راهبات العائلة المقدّسة (مار يوسف) – جبيل، وسط حضورٍ حاشد. أدار الندوة كلّ من الدكتور طوني ضوّ وشربل خوري. قدّم للندوة الدكتور طوني ضوّ، الذي أشاد بمناقب العميد إدّه ومواقفه وخياراته السياسيّة والوطنيّة. وكانت كلمة الافتتاح للدكتور سايد درغام (عن اللقاء الوطني)، قدّم فيها وصفاً دقيقاً وموضوعيّاً للعميد إدّه كشخصٍ استثنائيٍّ وكنهجٍ سياسيٍّ متجرّد، وكتوجّهٍ وطنيٍّ فريد. ثمّ عُرض فيلم وثائقيّ عن سيرة حياة العميد ريمون إدّه حتّى وفاته عام 2000 في المنفى الفرنسي وعودته إلى مثواه الأخير في تراب بلاد الأرز. وقد ألقى المؤرّخ الدكتور ألكسندر أبي يونس كلمةً عرض فيها لمزايا إدّه وما فرّقه عن غيره من السياسيّين. ثمّ ألقى نقيب محرّري الصحافة اللبنانيّة جوزف القصّيفي كلمةً معبّرةً عن افتخار اللبنانيّين (من مختلف الأجيال وفي جميع المراحل) بشخصيّة العميد ريمون إدّه. كما كانت كلمة مهمّة لرئيس المجلس الدستوري السابق الدكتور عصام سليمان، فصّل فيها مسيرة العميد إدّه في السياسة اللبنانيّة وعرض للخطوات الجريئة وغير المسبوقة التي كان يتّخذها إدّه، عندما كان في السلطة أو في المعارضة، في الوطن أو في المنفى. وقدّم الوزير السابق عدنان السيّد حسين رأياً سديداً في العميد إدّه، ملاحظاً انّه علامة فارقة في مسار الحكم بلبنان.

بقلم: مروان داغر يبدو أن هناك خطة أمنية تلوح في الأفق وسط ضغوط لنزع السلاح وتهديدات بالحرب والحصار تواجه لبنان. ففي ظل حكومة نواف سلام، تسود مرحلة مفصلية مع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701، الذي يهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة، خاصةً سحب سلاح "حزب الله" من جنوب نهر الليطاني وسلاح المخيمات الفلسطينية. هذه المهمة، التي تقع على عاتق الجيش اللبناني، محفوفة بالتحديات، حتى مع وجود دعم سياسي نسبي. لكن فشل الدولة في تحقيق هذا الهدف قد يعيد شبح الحرب الإسرائيلية والحصار الأمريكي، مما يضع لبنان أمام خيارات مصيرية. تصب الضغوط الدوليةفي خانة نزع السلاح كشرط للاستقرار منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، بحيث كثّفت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى الضغط على لبنان لتطبيق قرار 1701، الذي ينص على نزع سلاح الجماعات المسلحة جنوب الليطاني وتوسيع سيطرة الجيش اللبناني واليونيفيل. وفي مايو 2025، أفادت مصادر أن الجيش اللبناني - بدعم من معلومات استخباراتية إسرائيلية عبر واشنطن - نجح في تفكيك حوالي 90% من البنية العسكرية لـ"حزب الله" في الجنوب. الرئيس نواف سلام - من جهته - وفي أول تصريح له بعد تكليفه، أكد التزامه بـ"بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية"، مشددًا على تطبيق اتفاق الطائف والقرار 1701. وفي مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" في يناير 2025، أشار سلام إلى أن حكومته تسعى لاستعادة ثقة العالم العربي بلبنان، معربًا عن أمله في جذب استثمارات عربية لإنعاش الاقتصاد. لكن "حزب الله" لا زال يرفض التخلي عن سلاحه، معتبرًا أن "المقاومة" ضرورية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية. وفي مايو 2025، أفادت مصادر أن النائب محمد رعد، رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، أكد خلال لقاء مع الرئيس جوزيف عون أن الحزب منفتح على مناقشة "الاستراتيجية الدفاعية" بعد انسحاب إسرائيلي كامل، لكنه رفض نزع السلاح في الوقت الحاضر. أما ملف السلاح الفلسطيني فهو عقدة إضافية؛ إذ أن هذا الملف يشكل تحديًا آخر. ففي تقرير نشرته "الشرق الأوسط" في أبريل 2025 أشار إلى أن الضغوط الدولية لنزع السلاح غير الشرعي وضعت هذا الملف في صدارة الأولويات. وتشير تقديرات إلى أن 90% من الأسلحة في المخيمات هي أسلحة فردية، لكن هناك مخازن تحتوي على صواريخ ثقيلة. في هذا السياق؛ قام الجيش اللبناني بإبلاغ الفصائل الفلسطينية في مايو 2025 بموعد نهائي في يونيو لتسليم السلاح، بدءًا من مخيمات بيروت (شاتيلا، برج البراجنة، مار إلياس)، مع خطة لاحقة لمخيمات الجنوب، خاصة عين الحلوة. رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أبدى في مايو 2025 دعمه لتسليم السلاح ضمن خطة أمنية واضحة، مع التأكيد على رفض التوطين وحق العودة. لكن مصادر فلسطينية حذرت من أن توقيت هذا الملف قد يكون محاولة لصرف الأنظار عن سلاح "حزب الله"، مع اتهامات باستخدام السلاح الفلسطيني كـ"درع سياسي". إلى ذلك هناك تحديات الجيش اللبناني؛ بما يشبه المهمة شبه المستحيلة؟ فالجيش اللبناني، رغم نجاحه في تفكيك معظم البنية العسكرية لـ"حزب الله" جنوب الليطاني، إلا أنه يواجه عقبات كبيرة. إذ إن نزع السلاح بشكل كامل يتطلب توافقًا سياسيًا داخليًا، وهو أمر صعب في ظل امتناع "حزب الله" وحركة أمل عن دعم حكومة سلام. الرئيس جوزيف عون أشار في أبريل 2025 إلى أن نزع السلاح "حساس" ويحتاج إلى ظروف مواتية، مما يعكس تعقيد المهمة. وفيما خص المخيمات الفلسطينية، فإن دخول الجيش إليها يبقى أمرا شائكًا، حيث يقتصر وجوده على المداخل. مصادر فلسطينية شددت على ضرورة وجود "غطاء أمني لبناني" لمعالجة السلاح المتفلت دون استخدام القوة، وذلك لتجنب التوترات الطائفية. هنا نسأل: ما البديل؟ وهل البدديل؟ وهل البديل مرعب؟ هل هناك سيناريو كالتالي: - عودة الحرب والحصار. - فشل حكومة سلام في نزع السلاح ما سيؤدي إلى تصعيد إسرائيلي. ثمة تقارير إسرائيلية في مايو 2025 أشارت إلى إعادة هيكلة قوات لواء الجليل تحسبًا لأي خرق من "حزب الله". وإن الغارات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب، رغم الاتفاق، تُعتبر رسائل ضغط لتسريع تنفيذ القرار 1701. من جهة أخرى، الولايات المتحدة، التي منعت إسرائيل في أكتوبر 2024 من تحويل لبنان إلى "غزة أخرى"، قد تفرض حصارًا اقتصاديًا جديدًا إذا لم يتحقق تقدم في نزع السلاح. هذا الحصار قد يفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث يعيش 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقًا للأمم المتحدة. بالخاتمة؛ حكومة سلام أمام اختبار تاريخي! فهذه الحكومة التي وُصفت بـ"حكومة المهمة"، تواجه خضّة أمنية لا مفر منها. الإصلاحات التي وعد بها سلام، بما في ذلك حصر السلاح بيد الدولة وإعادة بناء الثقة مع الداخل والخارج، تعتمد على قدرته على تحقيق توافق سياسي وتجنب المواجهات. لكن فشل هذه الخطوة قد يعيد لبنان إلى دوامة الحرب والحصار، بينما نجاحها قد يمثل نقطة تحول نحو استعادة السيادة الوطنية. السؤال الملح: هل تستطيع حكومة سلام تحقيق ما عجزت عنه حكومات سابقة؟