أثار قرار وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي، بإقفال ثانوية تنورين الفوقا، ودمجها مع فرع دوما لثانوية البترون الرسميّة، موجة اعتراضات واسعة في البلدة، واعتُبر القرار مجحفاً بحقّ المنطقة وأبنائها، خاصة وأن الثانوية تُعدّ الوحيدة في تنورين وتؤمّن التعليم الرسمي لعشرات الطلاب. وقد صدر القرار في 15 نيسان 2025، لكن الأهالي تبلّغوه بعد مرور ما يقارب الشهرين، ما فاقم من وقع الصدمة وأثار شكوكاً حول خلفيّاته وتوقيته.

تضمّ ثانوية تنورين نحو 90 تلميذاً، وتتميّز بمستواها التربوي العالي، وقد تخرّجت منها أجيال متعاقبة. بينما لا يتعدّى عدد التلامذة في ثانوية دوما الـ18.

والجدير بالذكر، أن مبنى الثانوية في تنورين هو تقدمة من المرحومة ماري خوري رعيدي التي سلّمته إلى جمعيّة، والجمعيّة بدورها عقدت اتّفاقية إيجار مع الدولة بشأنه. وكانت حجّة القرار، هي حصر نفقات الدولة ونقل التلامذة إلى ثانوية دوما المملوكة من قبل الدولة. ولكن في الواقع، هناك مبنى مجهّز كامل التجهيزات في تنورين منذ عام 2008، مقدّم من السيد سعد الحريري وهو ملك للدولة، وبذلك تسقط كل الحجج.

من ناحية أخرى، في تنورين الفوقا مدرسة تكميليّة استمرّت المطالبة لسنوات بضمّها إلى الثانوية في المبنى الجديد، ولكن لم يستجب أحد لهذا المطلب. 

لكلّ ذلك، لم تتأخر التحرّكات الاحتجاجية في تنورين، وشهدت البلدة سلسلة من الاعتصامات واتّصالات مكثّفة مع الجهات المعنيّة. 

وبفعل الضغط الشعبي والسياسي، أعلنت وزارة التربية اليوم تجميد القرار رسميّاً، وأفادت مصادر مطّلعة أن الوزارة ستوفد خلال الأيام المقبلة فريقاً تقنياً لتقييم المبنى الرسمي في تنورين الفوقا، في خطوة قد تشكّل تمهيداً لإعادة تشغيله واستبعاده خيار الدمج. 

وكان المستشار القانوني للوزيرة، فهمي كرامي، قد أشار إلى أن القرار جُمّد فور توقيعه بسبب عدم قابليته للتنفيذ خلال العام الدراسي الجاري، ولأن الوزارة علمت لاحقاً بوجود المبنى البديل، ما يستدعي التقييم قبل اتّخاذ أي قرار نهائي.

كما صرّح القاضي بسام وهبة اليوم، بأن قرار الإقفال قد أصبح وراءنا ولن يأخذ مجراه إلى التنفيذ مهما كلّف الأمر، وذلك بعد توضيح الوضع القائم من ناحية جهوزية المبنى الجديد وعدم استيفاء أيّ إيجار وعدد الطلاب المرتفع في الثانوية. وشكر القاضي وهبة الغيارى على مصلحة تنورين وأبنائها معتبراً أن تنورين لا تنكسر.

وعليه، تنتظر تنورين اليوم نتائج زيارة المندوبين الوزاريين وتقييمهم للبنية التحتية للمبنى البديل، والحفاظ على الصرح التعليمي الراقي في تنورين، خاصة وأن منطقة جرود البترون، لا تضمّ اليوم سوى الثانوية والتكميلية في تنورين الفوقا، وثانوية دوما، ومدرسة في كفرحلدا استقبلت أعداداً من النازحين السوريين في السنوات الماضية. فتعتبر ثانوية تنورين الأكثر فاعليّة تربوياً وعددياً. 

ويبقى السؤال الأبرز، عما إذا كانت الدولة قادرة على التوفيق بين ترشيد النفقات من جهة، وحماية حقوق المناطق الطرفيّة من جهة أخرى، لا سيّما في ظل تفاقم النزوح من القرى إلى المدن. وبذلك، تتحوّل قضية تنورين إلى اختبار حقيقي لمصداقيّة وفعاليّة السياسات التعليميّة تجاه الأطراف، حيث التعليم ليس مجرّد خدمة، بل هو عنوان للبقاء والكرامة.

د. ريما داغر